كلمة السيد عبد المجيد المكي في افتتاح فعاليات اليوم الدراسي الثاني للمنظمة التونسية للدراسات الاستراتيجية


                           مداخلة افتتاح اليوم الدراسي
يسرني وأعضاء المكتب التنفيذي للمنظمة التونسية للدراسات الاستراتيجية أن أرحب بكم جميعا في إطار فعاليات اليوم الدراسي الثاني للمنظمة بعد الأثر الطيب الذي تركته فعاليات اليوم الدراسي السنوي الأول للسنة الفارطة والذي كان تحت عنوان : الحوكمة المحلية ومستقبل التنمية بالجهات الداخلية.
وقد اخترنا لهذا اليوم الدراسي لهذه السنة موضوعا بدا لنا من الأهمية بمكان لأنه يمس جوهر أزمتنا الحضارية وهو تحديات بناء العقل التونسي.
إن الطرح الذي نقدمه ، خلافا لما قد يتبادر للذهن لأول وهلة، ليس طرحا فكريا فلسفيا محضا وإنما هو طرح واقعي برغماتي ينطلق من تحديات الواقع التونسي ومن تحليل لسياسة الدولة التونسية في التعامل مع متطلبات بناء العقل بما هو أداة الأدوات لمجابهة الأزمات المتلاحقة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، لفائدة جيل من التونسيين يعيش تحولات حضارية عميقة وانتقالا نحو الديمقراطية والحرية بما هما شرطا الإبداع والعطاء والابتكار والمشاركة.
مداخلات ننطلق فيها بقراءة وضعنا النفسي والصحي في محيط يطغى عليه الضغط والتوتر إلى الحدود القصوى التي تدفع إلى تفاقم ظواهر سلبية كالانتحار والعنف ونمر بها عبر سياساتنا التربوية والتكوينية والبحثية والشبابية لنربط ذلك كله بواقع التنمية في بلاد ونتساءل: لماذا نحن على ما نحن عليه من التخلف في الوقت الذي أظهر فيه التونسي امتلاكه من الذكاء ما يجعل دول الشرق والغرب تتهافت على نخبنا وكفاءاتنا في كل المجالات؟.
ولماذا تهدر طاقات ذهنية وعقلية كبيرة بسبب الانقطاع المدرسي والجامعي وبسبب العطالة المزمنة وانعدام البيئة الاجتماعية والصحية السليمة وقد كان بالإمكان أن توظف لمعركة التنمية؟
ولماذا لم ننجح بعد في المزاوجة بين المؤسسات البحثية والمؤسسات الاقتصادية بما يمنح مؤسساتنا قدرة على التجديد والتنافس الذي نغزو به الأسواق العالمية ؟
لماذا بعد أكثر من 60 سنة من الاستقلال تركزت فيها جهود الدولة على دعم قطاعات التربية والتعليم والاستثمار في رأس المال البشري (أو المادة الشخمة) ما نزال نعاني من مظاهر التخلف كضعف التمدرس خاصة لدى المرأة واعتماد أساليب التعليم التلقينية وانتشار الجهل الذي ينعكس سلبا على سلوكنا في الشارع وفي تعملنا مع البيئة ومع قضايانا الوطنية والإقليمية؟.
لماذا يبدع العقل التونسي خارج حدود الوطن في جميع المجالات بينما تحترق الكثير من الكفاءات في وطننا في صمت خاصة في ظل منظومتنا البيروقراطية الخالية من التحفيز والتي كثيرا ما تعتبر التفكير جريمة والإبداع شذوذا والابتكار خروجا عن المألوف والتجديد ضلالة إلى الحد الذي طوّر فيه العقل التونسي نوعا من الرقابة الذاتية التي تكرست على مدى أكثر من 75 سنة من الاستعمار المادي والثقافي وأكثر من نصف قرن من الاستبداد السياسي؟.
وما هي شروط إعادة بناء العقل التونسي في ظل تشخيصنا للواقع وقراءتنا للتحديات؟.
وفي الحقيقة فإنه لم يكن بالإمكان الإلمام بجميع أبعاد الموضوع في جلسة واحدة مهما كانت مطولة ولكن أكثر ما كنا نصبو إليه من لقائنا هذا، ليس الإجابة الفورية على كل هذه الأسئلة الحارقة ، بقدر ما هو جمع هؤلاء الضيوف الكرام في فضاء حوار واحد لنحاول تكوين رؤية شاملة وموحدة حول واقع العقل التونسي وأهم تحدياته وأهم المنجزات المحققة في بنائه، والتي يجب ألا ننكرها،  ثم استشراف مستقبله من خلال البدء في تعميق البحث وتجميع الأفكار وتقديم البدائل، خاصة من خلال الورشة المفتوحة للتفكير والحوار،  وهو ما تهدف له المنظمة التونسية للدراسات الاستراتيجية بوصفها فضاء تفكير وقوة اقتراح. أي أننا أردنا أن نلقي حجرا في البركة الراكدة وأن نمارس نقد العقل التونسي على النحو الذي مارسه الغرب في بداية تأسيس الحداثة من نقد للعقل بما هو أداة الحداثة .
وإني إذ أشكر باسمي وباسم أعضاء المكتب التنفيذي للمنظمة التونسية للدراسات الاستراتيجية كل المتدخلين الذين هم من خيرة كفاءاتنا و الذين لبوا دعوتنا لهذا الحوار رغم ضيق الوقت، وكل من ساعد في إنجاح هذا اللقاء وكل من سيساهم في تفعيل مخرجاته وتجسيم توصياته فإني أؤكد على أن منظمتنا منفتحة على كل المقترحات والأفكار والشراكات التي من شأنها خدمة المصلحة الوطنية وتعزيز دور العقل والبحث العلمي ومنظومات التربية والتعليم والتكوين في تحقيق التنمية وإنجاح المسار وبناء الحضارة.
ومرحبا بكم

شارك الموضوع عبر جوجل+

عن Unknown

المنظمة التونسية للدراسات الاستراتيجية، هي جمعية تطوعية ذات صبغة علمية بحثية تنشط في مجال البحوث والدراسات الاستراتيجية . تهدف المنظمة التونسية للدراسات الاستراتيجية إلى : إجراء الأبحاث والدراسات العلمية والتطبيقية في مجالات التخطيط الاستراتيجي توفير فضاء فكري ملائم لاستيعاب الأفكار والدراسات في قضايا التنمية ووضعها على ذمة صناع القرار. المساعدة على تأطير أعمال البحث الاستراتيجي والأكاديمي والعمل على إنجاحها وتنزيل خلاصاتها في الواقع. .المساعدة على نشر ثقافة التخطيط الاستراتيجي.
    تعليق عبر جوجل+
    تعليق عبر فيسبوك

0 commentaires :

إرسال تعليق