رسالة مضمونة الوصول من مراقب إلى السّيد رئيس الحكومة


مكافحة الفساد : أية كلفة لتهميش منظومة الرقابة العامة؟

سيدي رئيس الحكومة التونسية
تحية طيبة، وبعد
فلقد ورد في خطابكم أمام مجلس نواب الشعب بتاريخ 5 جوان 2015 أن حكومتكم قد آلت على نفسها " أن تكافح الفساد بكلّ أشكاله" وأنه "لا مجال في تونس ما بعد الثورة للتطبيع والتعايش مع الفساد والفاسدين".
وأضفتم سيدي "لقد تعهدنا بمحاربة هذه الآفة بكل ضراوة وسنمضي قدما في هذا الاتجاه فلا يمكن أن نتسامح مع أية ممارسات من شأنها أن تخرّب الاقتصاد الوطني"
وأنه "حرصا على تطوير التشريع الخاص بالوقاية من الفساد تم إعداد جملة من مشاريع القوانين بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبتشريك كافة الأطراف المتدخلة" 
وإزاء هذا الوضوح في خطابكم الذي أستخلص منه أنه قد حان الوقت للانتقال بمكافحة الفساد من مجرد شعار نظري إلى أفعال حقيقية تكون في مستوى ما تفرضه أوضاع البلاد اليوم من تحديات، فإني أعتقد سيدي رئيس الحكومة أنّه وبمناسبة ما أشرتم إليه من تطوير للتشريع الخاص بالوقاية من الفساد، فقد بات من الضروري اليوم بل ومن الحتمي الحرص على تعزيز مكانة أسلاك المراقبين العموميين ضمن منظومة مكافحة الفساد والاعتراف بدورهم كرأس حربة في إرساء مبادئ النزاهة والشفافية والحوكمة الرشيدة في مختلف أوجه التصرف العمومي وفي مختلف القطاعات.
وإني أرى أنه من التناقض الصارخ ادعاء "تشريك كافة الأطراف المتدخلة" في بلورة تصور لمكافحة الفساد وخاصة على المستوى التشريعي والحال أنه يتم تغييب أول وأهم طرف متدخل ومختص في المجال ألا وهو المراقب العمومي باعتباره صاحب الاختصاص والخبرة المتأصلة منذ أكثر من خمسين سنة في مكافحة الفساد وفي إرساء الحوكمة والشفافية والمساءلة وفي تكريس مبادئ حسن التصرف العمومي والحفاظ على المال العام، خاصة وأن إبداء الرأي في التشريعات وخصوصا منها التشريعات ذات الصلة باختصاصه هي من مهامه الأصيلة التي يقرها له القانون.
لقد حان الوقت سيدي رئيس الحكومة لتفعيل دور هيئات الرقابة العامة الثلاث وتثمين مجهود أعضائها في الاستقصاء عن مكامن الفساد وكشفه بالأدلة والبراهين من خلال التقارير الرقابية بمختلف أصنافها وذلك طبقا للتشريع الجاري به العمل واستنادا إلى المعايير الدولية المعتمدة ومخزون الخبرة المكتسبة.
نعم سيدي رئيس الحكومة لقد حان الوقت لإعادة الاعتبار لعمل أعضاء هيئات الرقابة العامة الثلاث والإقرار بنبل مهنتهم وأهمية دورهم الوطني ضمن منظومة مكافحة الفساد وسوء استعمال الموارد العمومية، والتوقف عن كل سلوك من شأنه المساس باستقلاليتهم من خلال ضرب مسارهم المهني وضرب وحدة صفهم، خاصة وأنه قد تواترت في الفترة القصيرة الماضية مؤشرات عدّة على التهديد الممنهج والمقصود لوظيفة الرقابة بالتهميش أولا وبالتشتيت ثانيا وبالمساس بالمكاسب ثالثا بما يفضي موضوعيا إلى المواصلة في التطبيع والتعايش مع الفساد والفاسدين خلافا لسياستكم المعلنة.
سيدي رئيس الحكومة من منطلق ما صرحتم به أمام مجلس نواب الشعب وما تعهدتم به من محاربة لآفة الفساد بكل ضراوة، وهو تعهد لا نشك في صدقه بل نساندك فيه ونتجند له، ندعوك إلى تفعيل دور هيئات الرقابة العامة الثلاث في مكافحة الفساد طبقا لأنظمتها الأساسية الخاصة والتي تتولى تحت سلطتكم المباشرة إجراء الرقابة العليا على مصالح الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية والمنشآت العمومية ...  
كما ندعوك سيدي إلى استثمار رصيد هذه الهياكل العريقة من الخبرة والتقارير فهي كنز ثمين لكل من كان في نيته الإصلاح لأن كلفة الفساد وكلفة غياب الحوكمة وضعف منظومات التصرف قد أصبحت باهظة وباتت تدق نواقيس الخطر.
والسلام.







بقلم : هادية الجمل
مراقبة المصالح العمومية

شارك الموضوع عبر جوجل+

عن Unknown

المنظمة التونسية للدراسات الاستراتيجية، هي جمعية تطوعية ذات صبغة علمية بحثية تنشط في مجال البحوث والدراسات الاستراتيجية . تهدف المنظمة التونسية للدراسات الاستراتيجية إلى : إجراء الأبحاث والدراسات العلمية والتطبيقية في مجالات التخطيط الاستراتيجي توفير فضاء فكري ملائم لاستيعاب الأفكار والدراسات في قضايا التنمية ووضعها على ذمة صناع القرار. المساعدة على تأطير أعمال البحث الاستراتيجي والأكاديمي والعمل على إنجاحها وتنزيل خلاصاتها في الواقع. .المساعدة على نشر ثقافة التخطيط الاستراتيجي.
    تعليق عبر جوجل+
    تعليق عبر فيسبوك

0 commentaires :

إرسال تعليق