لا نية للحكومة في إنجاز الإصلاحات الموعودة .. واللوبيات مستاءة من أعمال الرقابة
نفى وزير الوظيفة العمومية والحوكمة عبيد البريكي في تصريح له على هامش مؤتمر عقد بالعاصمة نية حكومة الشاهد الإيفاء بتعهداتها فيما يخص الإصلاحات المتعلقة بهياكل الرقابة الإدارية وخاصة منها توحيد هياكل الرقابة العامة وتدعيمها بالإمكانيات الضرورية للعمل وهو ما يعيد الجدل حول هذا الموضوع إلى المربع الأول بعد أن تصورت كل الأطراف بما في ذلك مجلس نواب الشعب أن قطار الحوكمة ومكافحة الفساد قد أخذ مساره الطبيعي وأنه لن يعود إلى الوراء.
وكان البريكي قد صرح للإعلام أنه "بالنسبة إلى هياكل الرقابة ليس لنا نية توحيدها لأنها هي بهذا الشكل ومازال النقد موجها إليها في أشياء كثيرة .. ربما تحتاج مزيد الدقة في عملها ونحن مقدمون في الوزارة وبالتنسيق مع رئاسة الحكومة على تدقيق هذه الأعمال إلى حد ما أمكن مما أصبح مدخلا للطعن في بعض أعمالها ..." وفي السياق نفسه ذكر البريكي أن الحكومة قد أحالت بعض الملفات إلى القضاء إلا أنه باعتبارها حكومة تحترم نفسها فإنها لا تستطيع التشهير بأصحابها ما لم يحسم القضاء
هل تخلت الحكومة عن تعهداتها؟
باستقراء هذا التصريح المقتضب فإنه يتبين وجود تراجع خطير عن تعهدات الحكومة فيما يتعلق بالحوكمة ومكافحة الفساد التي هي النقطة الثانية في وثيقة قرطاج وتحتل المرتبة الثانية في أولويات حكومة الوحدة الوطنية بعد الإرهاب. فالتصريح قد أظهر موقفا عدائيا فجئيا من هياكل الرقابة العامة لم يكتف صاحبه بنقد آداء هذه الهياكل وعدم كفاية دورها في محاربة الفساد وإصلاح الإدارة، وهو أمر مقبول في حدود معينة خاصة من وزير إشراف تجاه منظوريه وتجاه مختلف الهياكل الحكومية، بل إنه طعن مباشرة في كفاءة المراقبين وجودة تقاريرهم التي اعتبر أنه يتعين القيام بالتدقيق فيها من باب مراقبة المراقبين والتدقيق في المدققين.
ما خفي من التصريح
تحامل الوزير على هياكل الرقابة قد جعله يصرح عن قصد أو عن غير قصد بمسائل خطيرة وهي أنه لم ينطلق في حكمه على هياكل الرقابة من إشكالية محددة أو من تقييم موضوعي سابق صادر عن هيكل مختص ومحايد أو عن تواتر أخطاء مهنية فادحة وإنما بسبب النقد الموجه لها من جهات لم يذكرها وفي خصوص أشياء كثيرة لم يحدد طبيعتها وهو ما يعني بكل بساطة أن لوبيات إدارية أو مصالح حكومية خضعت لأعمال الرقابة هي من أبدت عدم الارتياح لأعمال الرقابة التي اتهمها الوزير بعدم الدقة، وبالتالي وبدل أن تأخذ تقارير الرقابة مسارها الطبيعي للإصلاح والمساءلة والمعاقبة فإنها هي نفسها ستتحول إلى موضوع تدقيق، وهذه طامة أخرى.
تحامل الوزير على هياكل الرقابة قد جعله يصرح عن قصد أو عن غير قصد بمسائل خطيرة وهي أنه لم ينطلق في حكمه على هياكل الرقابة من إشكالية محددة أو من تقييم موضوعي سابق صادر عن هيكل مختص ومحايد أو عن تواتر أخطاء مهنية فادحة وإنما بسبب النقد الموجه لها من جهات لم يذكرها وفي خصوص أشياء كثيرة لم يحدد طبيعتها وهو ما يعني بكل بساطة أن لوبيات إدارية أو مصالح حكومية خضعت لأعمال الرقابة هي من أبدت عدم الارتياح لأعمال الرقابة التي اتهمها الوزير بعدم الدقة، وبالتالي وبدل أن تأخذ تقارير الرقابة مسارها الطبيعي للإصلاح والمساءلة والمعاقبة فإنها هي نفسها ستتحول إلى موضوع تدقيق، وهذه طامة أخرى.
أهل مكة أدرى
صرح الوزير أنهم مقدمون في الوزارة على تدقيق الأعمال الرقابية التي أصبحت على حد تعبيره عرضة للطعن من جهات لم يذكرها وتبدو متنفذة . ونسي الوزير أنه غير مؤهل لا هو ولا إطارات وزارته لتقييم العمل الرقابي من الناحية التقنية ولا يحق له قانونا ولا أخلاقيا أن يتدخل في عمل المراقبين وأن يمس من استقلاليهم المهنية التي يضمنها نظامهم الأساسي وتقاليد مهنتهم والمعايير الدولية.
صرح الوزير أنهم مقدمون في الوزارة على تدقيق الأعمال الرقابية التي أصبحت على حد تعبيره عرضة للطعن من جهات لم يذكرها وتبدو متنفذة . ونسي الوزير أنه غير مؤهل لا هو ولا إطارات وزارته لتقييم العمل الرقابي من الناحية التقنية ولا يحق له قانونا ولا أخلاقيا أن يتدخل في عمل المراقبين وأن يمس من استقلاليهم المهنية التي يضمنها نظامهم الأساسي وتقاليد مهنتهم والمعايير الدولية.
وتبعا لذلك فإن تقييم أعمال الرقابة لا يمكن أن يقوم به إلا طرف محايد ذو كفاءة وخبرة ومهنية حتى يكون تقييما موضوعيا مفضيا إلى اتخاذ قرارات عقلانية بناءة بعيدا عن التصريحات الاستفزازية وردود الفعل، علما وأن أعمال الرقابة وتنظيمها وآداءها قد كانت موضوع تقييم من خبراء منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية والبنك الدولي التي قدمت جملة من التوصيات التي من أهمها ضرورة توحيد هياكل الرقابة الذي استبعد الوزير إنجازه .
الغاية والوسيلة .. والأحكام المسبقة
إن توحيد هياكل الرقابة ليس غاية في حد ذاته وإنما هو نوع من حوكمة التصرف وتنسيق العمل وتوزيع الأعباء وتنظيم الجهود لتفادي الكلفة الباهضة الناتجة عن تشتت الوظيفة الرقابية.
إن توحيد هياكل الرقابة ليس غاية في حد ذاته وإنما هو نوع من حوكمة التصرف وتنسيق العمل وتوزيع الأعباء وتنظيم الجهود لتفادي الكلفة الباهضة الناتجة عن تشتت الوظيفة الرقابية.
ولا يخفى أن الوزير الذي يبدو أنه لم يقدم بعد ستة أشهر من تولي حكومة الشاهد أي دعم مادي أو معنوي أو أدبي إلى أي من هياكل الرقابة العامة يحمل بدوره أحكاما مسبقة حول الرقابة العامة منذ المواجهة الشهيرة بين ماكينة الاتحاد العام التونسي للشغل التي كان يشغل فيها البريكي منصب الأمين العام المساعد وبين اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة فيما يتعلق بقضايا الفساد التي نسبت لبعض مسؤولي المنظمة خاصة بعد صدور التقرير المرجعي للجنة المكون في نسبة كبيرة منه من نتائج أعمال هيئات الرقابة العامة .
يبقى أن هنالك تناقضا صارخا بين أن يشكك الوزير في دقة أعمال الرقابة ثم يؤكد وجود ملفات فساد أحيلت إلى القضاء، فكيف يحال الملف إلى القضاء إلى لم يكن على مستوى عال من الحرفية والدقة والجودة؟.
وفي الحقيقة فقد كان يجدر النأي بالرقابة العامة عن مثل هذه التجاذبات التي توحي بوجود لوبيات فساد قوية تطغى على الدولة وبغياب نية صادقة في القيام بتدعيم منظومة مكافحة الفساد وتتجاهل حرفية المراقبين الذين يقومون بأعمال التدقيق المعمق ومهمات البحث والتقييم لجميع مؤسسات الدولة في تونس وخارجها إضافة إلى اعتمادهم من قبل الممولين الأجانب على غرار البنك الدولي للقيام بتدقيق المشاريع ذات التمويل الخارجي والحال أن عددهم لا يتجاوز في أحسن الأحوال 150 فردا ساهمت تقاريرهم في حفظ الكثير من المال العام واسترجاع الأموال المنهوبة وكسب ثقة مؤسسات التمويل الأجنبي، كما أحدثت تقاريرهم التي وصلت للرأي العام رجة كبرى ساهمت في اتخاذ قرارات هامة فيما يتعلق بشفافية عقود النفط وحفظ أملاك الدولة العقارية والمنقولة وشفافية الصفقات العمومية وغيرها.
كما حظي عدد كبير من المراقبين بثقة المسؤولين الحكوميين لتولي مسؤوليات هامة وحساسة في مختلف مفاصل الدولة المركزية والجهوية أبلوا من خلالها البلاء الحسن باعتبار تكوينهم العالي وخبرتهم المهنية وتمتع جزء منهم بالإشهاد الدولي في التدقيق وعمل العديد منهم لدى مؤسسات أجنبية رأت فيهم الكفاءة العالية .
الإصلاح أوالتجاذب
طالما لم يتم نشر التقارير الرقابية والتقيد بقانون حق النفاذ إلى المعلومة وطالما لم تتوفر آلية محايدة لضمان إحالة التقارير إلى القضاء وإلى دائرة الزجر المالي وطالما لم تكتسب هياكل الرقابة آلية التصدي الذاتي والتعهد التلقائي بملفات الفساد فإن أعمال الرقابة ستظل صندوقا أسود ويتحول المراقبون إلى ضحايا للمزايدة والتشكيك. والحل هو أن تكتسب جميع الأطراف شجاعة القيام بالإصلاحات اللازمة وألا تخلق المسوغات للتهرب منها . خاصة وأن أعمال الرقابة العامة هي الرافد الأساسي للهيئة الوطنية للحوكمة ومكافحة الفساد في الجزء المتعلق بمصالح الدولة والقطاع العام الذي يجب أن تظل الرقابة عليه عملا إداريا تقوم به بالأساس هياكل حكومية مؤهلة .
طالما لم يتم نشر التقارير الرقابية والتقيد بقانون حق النفاذ إلى المعلومة وطالما لم تتوفر آلية محايدة لضمان إحالة التقارير إلى القضاء وإلى دائرة الزجر المالي وطالما لم تكتسب هياكل الرقابة آلية التصدي الذاتي والتعهد التلقائي بملفات الفساد فإن أعمال الرقابة ستظل صندوقا أسود ويتحول المراقبون إلى ضحايا للمزايدة والتشكيك. والحل هو أن تكتسب جميع الأطراف شجاعة القيام بالإصلاحات اللازمة وألا تخلق المسوغات للتهرب منها . خاصة وأن أعمال الرقابة العامة هي الرافد الأساسي للهيئة الوطنية للحوكمة ومكافحة الفساد في الجزء المتعلق بمصالح الدولة والقطاع العام الذي يجب أن تظل الرقابة عليه عملا إداريا تقوم به بالأساس هياكل حكومية مؤهلة .
موضوع للمتابعة
0 commentaires :
إرسال تعليق